زيادة التقارب بين الصين وأفريقيا على مدار 60 عاما

BJT 08:32 06-11-2009
 

 في عام 1956 وبعد 7 أعوام من تأسيس الصين الجديدة أصبحت مصر أول دولة في أفريقيا تعترف بالصين وتبدأ العلاقات الدبلوماسية مع الجمهورية الشعبية الشابة. والآن بعد 53 عاما من هذا التاريخ ومع احتفال الصين بالذكرى الستين لتأسيسها أصبحت الصين صديقة ل 47 دولة من 53 دولة بالقارة الأفريقية.

والأكثر من ذلك ففي عالم تسوده العولمة بشكل غير مسبوق تطور الاخاء التقليدي بين الصين والدول الأفريقية إلى شراكة "استراتيجية" ذات دلالات أغنى.

وتلك الشراكة الجديدة، التي صاغها الرئيس هو جين تاو في عام 2006 خلال منتدى التعاون الصيني الأفريقي عندما التقى قادة 48 دولة افريقية في بكين في أكبر تجمع لهم، يجسد المبادئ التي تجمع الصين، اكبر دولة نامية في العالم وأفريقيا، أكبر قارة في العالم من حيث عدد الدول النامية حيث يرى الجانبان المزيد من المصالح المشتركة في العصر الجديد.

وتلقي الشراكة الاستراتيجية المنصوص عليها في الوثيقة السياسية لاعلان بكين الضوء على المساواة والثقة المتبادلة في الشئون السياسية والمنفعة المتبادلة والحل متكافئ الكسب للجميع في التعاون الاقتصادي والتفاعل الثقافي من أجل تعزيز الفهم المتبادل والصداقة في محاولة لتحقيق نظام عالمي أكثر تناغما.

وكما قال هو جين تاو في مراسم افتتاح قمة بكين فان الشراكة الاستراتيجية الجديدة بين الصين وأفريقيا لا تعد مهمة للتعاون المتزايد بين الصين وأفريقيا فقط وانما تعد ضرورة للسلام والتنمية في العالم.

ومنذ بدء الإصلاح والانفتاح في الصين في عام 1978 تحققت انتاجية ضخمة في الصين التي حافظت على معدل نمو تجاوز 9% خلال العقد الماضي. وانتشل الازدهار الاقتصادي الذي دعمه اقتصاد السوق بخصائص صينية أكثر من 230 مليون صيني في الريف من الفقر وجعل الصين أول دولة تحقق هدف الألفية التنموي للأمم المتحدة فيما يتعلق بالحد من الفقر.

وفي الوقت الذي تستمتع فيه الصين بثمار نموها فانها لم تنس أبدا التزاماتها تجاه أشقائها الأفارقة وبفضل دعمهم استعادت الصين مقعدها في الأمم المتحدة في عام 1971.

وخلال الخمسين عاما الماضية قدمت الصين مساعدات إلى 53 دولة أفريقية حيث تم تنفيذ نحو 800 مشروع وبناء أكثر من 2000 كيلو متر من الطرق الحديدية و3 آلاف كيلو متر من الطرق السريعة بالاضافة إلى إرسال فرق طبية وصل عدد أفرادها إلى 15 ألف شخص قاموا بعلاج نحو 240 مليون مريض.

وتم تنفيذ تلك المشروعات التي تبلغ تكلفتها 6 مليارات دولار أمريكي ودون توقف على الرغم من انها كانت تنفذ أحيانا في أوقات كانت تعاني الصين نفسها خلالها من صعوبات اقتصادية.

وبعد مرور 5 أعوام منذ تأسيس منتدى التعاون الصيني الأفريقي أعفت الصين مجددا 31 دولة افريقية من ديون قيمتها 10.9 مليار يوان (1.36 مليار دولار أمريكي).

وقال رئيس مجلس الدولة الصيني ون جيا باو خلال زيارته لمصر عام 2006 إن الصين "تشعر انها مدينة" لشعوب افريقيا. واضاف ون مقتبسا قولا صينيا مأثورا "يجب أن لا نتذكر أبدا الفوائد التي قدمناها وألا ننسى الفضل الذي تلقيناه".

وكان النجاح الاقتصادي للصين بمثابة إلهام عظيم لأفريقيا، القارة التي تتعافى ببطء من الحروب والمجاعة التي تزايدت بمعدل 5% تقريبا أعلى من المتوسط العالمي خلال الأعوام الماضية.

وقال كوفي آنان الذي كان وقتئذ السكرتير العام للامم المتحدة خلال قمة بكين "في حين يبدي الأفارقة عزما متجددا على التعامل مع التحديات التي تواجه قارتهم يمكنهم الاستفادة بشكل كبير من خبرة أصدقائهم الصينيين الذين حققوا نجاحا كبيرا في الحفاظ على النمو والحد من الفقر".

ووصف التجمع الكبير في بكين بانه "فرصة تاريخية للصين وأفريقيا للبناء على المثل المشتركة وتحقيق تقدم في التعاون بين الجنوب والجنوب".

وفي عام 2006 تعهدت الصين بزيادة مساعدتها لافريقيا بمقدار الضعف في عام 2009 وتسعى لرفع التجارة الثنائية إلى 100 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2010.

وعلى مدار 3 أعوام وعلى الرغم من الأزمة المالية العالمية حافظت الصين على تعهداتها ففي عام 2008 ارتفعت التجارة الثنائية إلى 108 مليارات دولار أمريكي وهو تقريبا ضعف الرقم المسجل خلال عام 2006. وقامت نصف الدول الأفريقية تقريبا بزيادة صادراتها للصين بمعدل تجاوز 50%.

ويمارس صندوق التنمية الصيني الأفريقي عمله حيث قطع الاعفاء من الديون نصف الطريق عبر بدء تطبيق إلغاء التعريفة الجمركية على 454 نوعا من البضائع، وبدأ العمل في مركز الاتحاد الأفريقي كما أن أول منطقة تجارية واقتصادية ومركز لمكافحة وعلاج الملاريا ومركز العرض الزراعي مستعدة جميعها للعمل.

ومنذ الثمانينيات حولت الصين مساعدتها لافريقيا من إعانة بسيطة عن طريق البضائع والنقود وهو ما وصف بـ"نقل الدم" إلى إغاثة ذات توجه تنموي مثل التدريب ونقل المعرفة والتكنولوجيا والتركيز بشكل أكبر على بناء القدرات وهو الأمر الأساسي للدول النامية الأفريقية.

وبصفتها اقتصادا صاعدا يتزايد وعي الصين بالتزامها تجاه المجتمع الدولي وكانت أول دولة تقترح بوضوح وتعزز الآلية ثلاثية الأطراف في دارفور.

كما انها أول دولة خارج أفريقيا تقوم بارسال قوات حفظ سلام إلى اقليم دارفور بالسودان.

وبصفتها قوة مسئولة منحت الصين دعمها الكامل لبعثات الأمم المتحدة في أفريقيا وقامت بارسال أكثر من 800 جندي بقوات حفظ السلام للدول التي مزقتها الحرب مثل جهورية الكونغو الديمقراطية وليبيريا.

ولكن المشاركة المتزايدة للصين في افريقيا بالاضافة إلى مبدأ عدم التدخل في الشئون السياسية للدول الأفريقية ينظر لها أحيانا من منظور مختلف حيث وصف بعض النقاد الغربيين هذا بانه "استعمار جديد".

وقال بيل دورودي الباحث في المعهد الملكي للشئون الدولية ببريطانيا في عام 2008 خلال مؤتمر في لندن إن تجارة واستثمار الصين في افريقيا لا يفيد الأفارقة فقط وانما أيضا الاوروبيين والولايات المتحدة أيضا.

وقال "وتحتاج الدول الأفريقية التي تنمو بنسبة تتراوح بين 5% و6% على مدار عقد طرقا جديدة ومحطات كهرباء ومستشفيات ومدارس وبضائع مصنعة" واضاف "على عكس بقية الدول في المنطقة اشتهر الصينيون بسمعة الدفع مسبقا وجيدا".

ووفقا لما ذكره دورودي فان انتقاد الدول الغربية للدور الجديد الذي تلعبه الصين في افريقيا وتأثيره يعد علامة على عدم قدرة الخيال الغربي على النظر للأفارقة باعتبارهم شعوبا تمتلك القدرة على التعامل مع مشكلاتها وهوس الغرب الذي ينظر للصين باعتبارها شريرة.

وقال الرئيس المصري حسني مبارك خلال الكلمة التي ألقاها في قمة بكين عام 2006 " ندرك أن تأسيس نوع جديد من الشراكة الاستراتيجية هو رغبة مشتركة واختيار مستقل للصين وأفريقيا ويخدم مصالحنا المشتركة وهذا سيساعدنا على تعزيز التضامن والدعم المتبادل والمساعدة والوحدة بين الدول النامية والمساهمة في السلام الدائم والتنمية المتناغمة في العالم".

وبالفعل فان الشراكة الاستراتيجية بين الصين وافريقيا ستنقل الجانبين لآفاق بعيدة في المستقبل وسيرى الجميع ذلك.